إغماءة الغبطة
في عقر فصول التهيامِ، ماذا يحدثُ لو أخلعُ عنّي
لبعض الوقتِ الوحشةَ، أخطفُ عنقودَ الشهوات،
وأطّرحُ الخجلَ البدوي؟
ماذا قد يحدث لو أنّي مثلاً أجتاحْ
دغلاً من أسرارٍ تفضي لقلوبٍ
يُثملني منها الخفقانْ ؟
................
في عقرِ فصول التهيامِ المسفوحْ
يتوحّشُ عطرُ الوردِ , تلاقِحُه النسمات
فت ن هم رُ الألوانُ بعينيها
و يفورُ بفتنتها الوجدانْ
برذاذِ عبيِرِ الشوق مُذاباَ..
يكتنفُ الغاباتِ حنينٌ يقطرُ
في نُسْغ الشّجَرِ الجاهزِ للطوفانْ..
لا يحدثُ حينئذٍ أمرٌ.. فلتجرِ كما أهْوَى الأشياءُ ..
ولي أن أنضُوَ أحزاني، أنْ أتْفلَها، أتجرّدَ
من بعضي ، كيْ أشعُرَ بالغمْرِ..
كم لي – وأنا المتفتّتُ من ولع – أن أعلن أنّ فُصول
الجِدّةِ تخرج من صدأ بُنّيِ النبْرةِ زِنْكيِّ الألوانْ..
بشِعٌ ألاّ يتحوّلَ فيك الثابتُ يا هذا !
أن يثبتَ فيك الزائلُ يا هذا!
هل تدري كم يتكمّش ومضُ السِّحْر إذا لم ينزلق الماءُ
خارجَ تَخْم الضفة في الخلجانْ؟
هل تدري كمْ يرتدُّ الكونُ
إلى لحظاتِ الصّفر إذا لم أستطِعِ الإفصاحَ عن
الخطرات : الوجدِ ، التيهِ، الفوضى،الجوعِ، الحُمّى،
العُشّاقِ تَمَطّطُ فيهم
أوجاعُ الحرمانْ ؟
.......................
سأبوح لكمْ و لهم مبحوحًا بالإفْشاء :
إنّي – وأنا وَلِعٌ بالشّيْء تَناسَلَ منْ لا شيْءْ..
وأنا المملوءُ بأشواقٍ لاتنضُبُ منْ فيْضُوضتِها
الحاملُ قلبًا نيْءْ..
وأنا من تعْتَعُهُ الفرَحُ المخْمورُ الصّاحي الخَدِرُ اليقظانْ
في بضع ثوان من نظرتها، أجتازُ بحارَ الدنيا
والقارّاتِ العشرَ ، و بِيدًا أنهكها المتنبّي متّقِدَ الكِبْرِ
حزيناً منكسرًا وَلْهانْ..
وأقول لأحبابي :
إنّي بِبُحيْراتٍ خُضْرٍ في عينيها أصْطافُ وحيدا ..
تلك النظرةُ تَرْشقني بالمُتعةِ
تُرْبكني حتّى تتدحرجَ في بصري الأكوانْ
تلك النظراتُ إذَا ...
(لا أحذِقُ بعْدُ البَوْحَ و لسْتُ أُسمّي الغامضَ في عجلٍ)...
تلك النظراتُ إذا إخترقتْ عَطَشي
تمِضُ الأشواقُ بذاكرتي، يترتّبُ ذهني
و تجْهَزُ أحيـــزةُ الإمْكانْ..
........................
من أيِّ أساطيرٍ فَجَرتْ عيناك ينابيعَ التّسآلْ ؟
بأيِّ أساطيرٍ صُبغتْ نظراتُ الأحداقِ الحُبْلَى
حتّى يهْتاجَ حنينٌ أهْوجُ في المطلَقْ ؟
كم فلسفةً تفتضّ لغاتي إنْ قفلتْ من غزوتها الأجفانْ ؟
......................
ذريني الآن , إذنْ , أتنقّلْ في الحدَقاتِ
أخفَّ من الطير المحمومْ
وأشفَّ من المَلَك الفجريِّ الصحوةِ
كي أوقظ أعشابا تغفُو
و مياها صادقة الصّفْو
وفي الدّفقات أقيمْ...
.................
هل تسمح لي عيناك الدافقتان بعطر الدهشة
أن أتسنّمَ للرّقَصَات أراجيحَ الرّؤيا ،
و أ.. ذ.. و.. بَ بحارَ ضبابٍ مكتنزٍ بالرّمْز..
لإنّي المتقنُ
رقصَ الحلم الأرعن حتى الغربة و الذوبانْ ؟
.................
هل تسمح لي عيناك بأن أتلألأ قطرَ ندًى
يتنادمُ و الأفنانْ؟
إنّي، و أنا أحتلّ زمانَ الغبطةِ في عطشِ الأزمانْ
أتحوّلُ من جسدي الصّلب التّشكيلِ إلى سيلٍ مِن معنى..
ألجُ الزهراتِ براعمَها، أنْحَلُّ مع النّسغ المهريق طريَّا
أدخل ميْتًا، أحْيا..
أدخل حيَّا، تخزف طيني آلهة الإغريق،
تؤسْطر في الخَلْـقَ
و تمنحني لملاحِمَ تُنسي غربتُها النّسيانْ ..
......................
الآن سترتاح الأعماق من التطواف
المتّزن المعتوهْ ..
أتريّثُ في غمرات الصّبْوِ و في سكرات التيهْ
لأرى هل يمكن ألاّ أنجُوَ والنّبضات
من الهذيانْ..
إنّي المُغمى من زخّة أشواق في القلب، عليّْ..
و الآن عليك بعشقي طوعا أو قسرا
سأحثُّ على الإيماض بداخلك الجمرا..
أتفسّحُ في حقل العينين، وفي الأحلام
وفي الفُصْحى..
إن تُعْرضْ عنّي الأحداقُ السّودُ
أَلُذْ بالبؤبؤ، أسحبْ خلفي الأجفانْ...
سأُنيفُ قصِيًّا في الفردوس، أراودُ حوريّاتٍ
أزلفهنّ لنا الرّحمانْ..
أستمرئُ تفّاحَ الخُلْدِ الأشْهَى
أوْ بُرْقوقَ الرّضوان..
-----------------
سيف الدين العلوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق